ومن هنا يبدأ كل شيء، الماء الهواء .. فحين قال أرسطو أن الكون قد تكون من أربع عناصر؛ التراب والماء والهواء والنار كان قد أكتشف المعني الحقيقي للوجود، فهذا العبقري استطاع ان يفهم هذه العناصر ويفصل بينهم.
في الاسكندرية .. وعلي الشاطيء؛ الماء والهواء ... لا أدري لماذا يقشعر جسدي حين انظر للبحر وعلي خط الافق والي السماء؟ هل لرغبتي في معرفة ما وراء البحر، أم ما وراء السماء؟! أم اني بدون وعي أتذكر شيء ما .. أو يتملكني هذا الشعور نتيجة للذكري المرتبطة بالمكان.
فحين أحببتُ لأول مرة، جئت الي هنا .. الي البحر – ولكن بأختلاف المكان، في مرسي مطروح – وحدثته عنها .. وكم كان غيوراً وكم كان شغوفاً لرؤيتها. وكم وصفتُ عن ملامحها وخصالها ولكم سئم مني ومن طول محادثتي له! ولكن تشاء الاقدار بأن لا يراها ولن يراها ... فقد أتيتُ لك يا بحري لتشاركني احزاني او ربما لتُضمض جرحي، فقد ماتت حبيبتي، أو مات قلبي داخلها.!
عندما يقشعر جسدي أمام البحر والهواء فأنا أعلم ان هذا بسبب الفرحة التي لمستها يوماً في هذا المكان .. قفد طارت البسمة من الذكري وجاءت لتداعبني الآن .. فليست كل ذكري حزن وكسر وجرح الماضي،،، بل احيانا فرح ومحبة وشغف الاصحاب والاحباب. ”ع الشط“ هنا لعبتُ وجريتُ وضحكتُ وبنيتُ قصراً حلمتُ بأن أسكن فيه .. هنا أجتمعت مع اُناس ربما نست اعينهم شكلي، لكنهم في ذاكرتي خالدون.
الماء والهواء؛ يتسللان مُتخفيان الي أعماق أعماق نفسي، يدخلان في هدوء وسكون ويخرجان بأشياءٍ حاول الزمن دفنها؛ وجوه وضحكات وابتسامات وبكاء وألم، وجوه اصدقاء أبي وافرد عائلتي حين كنا نسافر سوياً، وضحكاتهم وابتسامتهم .. وصوت بكاء هذا الطفل القصير، ذو الاذن الكبيرة حين دخل الماء المالح الي عينه أو ابتلع القليل منه .. والالم حين داس علي سمكةٍ سامة نُقل علي اثرها الي المستشفي وعاش بفضل مُعجزة وصلوات ودعوات. ومنظر أُم ممسكة "بالفوطة" كي تحمي صغارها من شدة الهواء.
كل هذا! يا لها من أيام! .. ولكن .. ولكن هل سأقف هنا هكذا مكتوف الايدي، أنظرُ الي الافق مُنتظر ما وراء البحر ليظهر؟ أم يجب أن أذهب أنا اليه؟
الأسكندرية 7-11-2010